أنا كنت مُتخيل إن الانتحار من ضمن الوسائل اللي ممكن الانسان يتخلص بيها من معاناته..
على أساس إن الموت عكس الحياة بالتالي وبزوال الحياة تزول أي متلازمة للحياة ومنها المعاناه ، بالتالي لما تموت مش هتبقى موجود أصلاً عشان تعاني !
بس لو المعاناة بتنتهي فعلاً بالموت فالموضوع كده بقى سهل جداً وأي حد زهقان من حياته يقوم ياخد رصاصة في دماغه ويرتاح ، بس الفكرة بالنسبة لي إنك لما تموت مش هتبقى عارف انت رايح فين أو هيحصلك إيه ؟
افترض كده إن حد مات وجثته اتحطت في ظروف بيئية خلته بعد كام مليون سنة يتحول لبترول مثلاً.. وبترول يعني مركبات عضوية يعني كربون وهيدروجين عاملين حلقات بنزين.
يعني انت كإنسان ممكن تتحول لشوية حلقات بنزين في الآخر..
الفكرة بقى هل حال حلقة البنزين من حيث المعاناة هيفرق كتير عن حال الإنسان ؟ أو هل هي مرتاحة في حياتها مثلاً ؟
بص كده لحلقة بنزين فيها روابط ثنائية ، الروابط الثنائية دي مخلياها غير مستقرة وغير مشبعة وبتبقى بتدور على الكترونات تتشبع وتستقر بيها ، عاملة زي واحد جعان وعايش عشان يدور على أكل يشبع !
بس هي بدل ما بتتدور على أكل بتتدور على الكترونات ولو ملقتش الالكترونات مش بتموت فبتفضل طول عمرها بتدور على الكترونات كأن واحد طول عمره بيدور على أكل ومبيشبعش ومش مستقرة في حياتها بسبب نقص الالكترونات ده زي ما أي حد تكون حياته مش مستقرة بسبب نقص أي احتياج في حياته.
أو ممكن كونها بتعمل روابط ثنائية ده يخليها زي واحد عمره ما كان عنده أوضة لوحده وطوال الوقت في حد مشاركه بيشاركه في حاجاته أو مش معاه فلوس يسكن لوحده فبيضطر يسكن مع واحد أو اتنين عايشن لازقين في بعض وبيعتمدوا على بعض طوال الوقت.
الفكرة إن الانسان يقدر يحس بمعاناه انسان زيه -أو أي شئ آخر يستطيع التعبير بمعاناته ولو بالقليل- لأنه يقدر يحس بنفس مقدار الألم بجانب كم الاحتياجات المتشابهه.. لكن مفيش انسان يقدر يحس حقيقةً بمعاناه حلقة بنزين أو صراصار مثلاً لأنه معندوش طريقة يعبر بيها عن ألمه لما بتدوس عليه برجليك..
وده اللي يخلي حد مش مدرك إن الجماد ممكن يكون بيعاني فعلاً ، طبعاً مش شرط المعاناة تكون واحدة او يجيله اكتئاب مثلاً..
مع إن الاكتئاب ده أصلاً عبارة عن تغيرات بتحصل في كيمياء الجسم ، فبالتالي ايه اللي ممكن يمنع التغير في كيمياء وتركيب أي حاجة بيسببلها مشاكل بطريقةٍ ما ؟
زي مثلاً.. في وقت من الأوقات الناس البيض كانوا بيتعاملوا مع الناس السود على إنهم زي الحيوانات بالضبط ومش بيحسوا بأي حاجة ولما كان شخص بشرته سوده يحاول يهرب من الإستعباد كان فيه دكاتره بتشخص الموضوع على إنه مرض بيصيب الناس السود بيخليهم عايزين يعصوا الناس اللي مستعبدينهم ، الموضوع ده فضل مستمر لحد ما الناس أدركت إن الانسان الأسود زي الأبيض وبيعاني برضو !
احنا دلوقتي طبعاً لو حد قال إن السود مش بيحسوا هنعتبره بيهذي وعنصري وبيقول أي كلام لأننا عارفين إن مفيش فرق وإننا نقدر نحس بمعاناة أي إنسان مهما كانت لون بشرته.
وكون دلوقتي مش زي زمان وقادرين نقول إن حلقات البنزين دي مش مستقرة فده دليل على إنها في وضعية مش مريحة..
شوية حلقات البنزين دي أو المركبات العضوية ككل -اللي هي كانت كائن حي في يوم من الأيام- ممكن في الآخر يستخرجوها وينتهي بينا الحال بنتحرق في شكمان عربية وبنتحول لأول أكسيد الكربون يدخل في رئة بني آدم ويسببله سرطان عشان في الآخر يموته وممكن اللي مات ده كمان بعد ملايين السنين يتحول لبترول برضو وهكذا تفضل الدايرة شغالة وبتلف أو ممكن يتحول لأي حاجة تانية !
فطول ما المادة لا تفنى موضوع الانتحار ده مش مُشجع خالص الحقيقة..